الولد المفقود
في يوم قارس البرودة، كنت في منزلنا جالسا على أريكة وثيرة في قاعة الجلوس أتمتـّع بالدّفء و الطّمأنينة، كنت أنتظر برنامجي المفضـّل على التلفاز و بغتة حملقتُ في الساعة الحائطية فتملّكتني الهواجـــــــــــــــــــــــــــــــــــس و الوساوس ، إنّ الوقت متأخـّر و أخي لم يرجع إلى البيت. قفزت من مكاني و رحت أذرع المنزل جيـــــــــــــــــــــئة و ذهابا تنهشني الوساوس و الأفكار الشيطانيّة.
"تأخـّر أخي كثيرا " رحت أغمغم و أكرّر نفس الكلمات ، احترت و أظلمت الدنيا في عينيّ و انتابني قلق هائل جعلني فريسة لاحتمالات شتّـــــــى تتنازعني. قرّرتُ البحث عنه فخرجتُ من المنزل كالسّهم المـــارق و ذهبت إلى المدرسة فكان المكان فارغا . بحثت في الحديقة العموميّة : تحت المقاعد و وراء الأشجار الضّخمة و لكن دون جدوى . طَرقتُ باب منزل الجيران و لكن دون فائدة . و في غمرة حزني و هلعي لمعت في عينيّ ومضات من الأمل و قادتني قدماي إلى منزل عمّـــتي .... و لكنّي كالعادة لم أحصد إلاّ الخسران و زيادة التّعب .
عدتُ أدراجي إلى البيت أجرُّ أذيال الخيبة و أخذ الإعياء منّي كلّ مأخذ و انهمرت دموعي فاختلطت بعرقي المتصبـّب و فيما أنا كذلك إذ مرّ بجانبي صديقي أحمد وهو شخص حسن الأخلاق و الصّفات فأراد أن يقدّم لي يد المساعدة في البحث عن أخي المفقود و انطلقنا كالعادة نبحث عنه في كل ركن من أركان الحيّ . أسدل اللّــــيل ستائره فيئستُ و عدتُ إلى المنزل و ارتميتُ على الأريكة من كثرة الإعياء و الإرهاق و بعد برهة وصل أبـــــي و أمّي و دخلا المنزل فخاطبني أبي بصوته الغليظ "" أين أخوك يا ولدي ؟" فانحدرت الدّموع على خدّاي و أجبتُه في صوت مرتعش و متقطّع .
انفجر أبي كالبركـــــان و احمرّ وجهه غيضا و برزت عروقه كأشجار الخريف و ارتدى معطفه و ركب سيــّـارته و خرج للبحث عنه . أمـّا أمي فتملّكها نفس حزني وقلقي..... و لكنّي لم أيأس من العثور على أخي فولجت غرفتي علّـــني أجد رقما من هواتف أحد أصدقائه. و صعقتُ من المفاجأة السّارة ، لقد وجدت أخي يغطّ في نوم عميق في سريره فأيقظته بهدوء. و قلت له:" لماذا دخلت المنزل خلسة يا أخي العزيز ؟ نحن نبحث عنك منذ ساعتين و انت هنا تنعم بالراحة و الهدوء"
أجاب في صوت مُنخفض و قد تلوّن وجهه بألوان الأسف و النّدم :" نلتُ عددا سيّئا في امتحان الرّياضيات فلم أُرِد إزعاجكم ". وصل والداي و تبدّل الحزن فرحا و تنفّسنا الصعداء و ضحكت أمّي ضحكات رقيقة و ارتسمت علامات الفرح و البهجة على محيـّاي ثم نصحنا أخي الصّغير بأن يكون أكثر صراحة و أن يجابه المواقف و لا يخاف من مواجهة أخطائه مهما كانت فهذا أفضل له و لكافّة أفراد العائلة.