عودة غائب
تلقـّت عائلة السيد مراد رسالة من ابنها فراس المقيم منذ مدة في ديار الهجرة يحدّد فيها موعد رجوعه إلى أرض وطنه الحبيب. ملأت الفرحة قلوب أفراد الاسرة و هلــّل الجميع ابتهاجا و سعادة.
في اليوم الموعود و على الساعة العاشرة صباحا قصدت العائلة الميناء لاستقبال ابنها الغائب. كان المكان مكتظا يعجّ بالناس بين مسافر و مودّع و منتظرو كانت علامات الفرح و السعادة تملأ وجوها و تغيب عن وجوه أخرى تودّع غاليا و عزيزا لمكان آخر من الكرة الأرضية.
جلست العائلة على مقعد وثير و بقيت تترقب مجيء فراس على أحرّ من الجمر و مضت دقائق شبيهة بالسنوات و الأسرة تنتظر. و فجأة علا صفير الباخرة فهــــــــرول الأفراد و استقبلوا فراسا بحفاوة لا مثيل لها : عانقه والداه و سألا عن أخباره و عن كل تفاصيل حياته في الغربة و فرحا بشهادته الدراسية التي نالها بفضل تفانيه و صبره اللامتناهي ثمّ حام الإخوة حوله سعداء بعودته سالما .
خرجت العائلة من الميناء و استقلــّت الحافلة متجهة الى المنزل . فجأة شاهد فراس عجوزا طاعنة في السنّ واقفة تتمايل ذات اليمين وذات الشمال مع ارتجاج الحافلة. أشفق عليها فراس ففضــّل الوقوف و ترك مكانه لها . أمطرته السيدة العجوز بوابل من أدعية الثناء والشكر على معروفه وربّت الأب على كتف ابنه برفق قائلا:" أحسنت صنعا يا ولدي، لقد قمت بعمل حضاريّ، الظاهر أن الغربة لم تنسك أخلاق أجدادك العالية ".
وصلت الحافلة عند الغروب وقبل الدخول الى غرفته للراحة تنزّه فراس في حديقة منزله الغنــّاء التي اشتاق إليها فاستنشق عبير الأزهار وملأ عينيه بجمال الاطيار المحوّمة على رؤوس الشجر و نسي في لحظات سنوات من الغربة القاسية وآلام البعد عن عائلته و تحولت التعاسة الى سعادة و بهجة تملأ فؤاده.