U3F1ZWV6ZTUwNzQ0NTc3NTkxX0FjdGl2YXRpb241NzQ4NjYwNTAzNTE=
موسم العولة
قارب فصل الصّيف على الانتهاء فعزمت أمّي على إعداد العولة قبل أن يهدأ صهد الشّمس و تهب رياح الخريف الممطرة.
و من الغد، أخرجت القصاع و الغرابيل من مخابئها و دعت خالتي لمساعدتها. قصد أبي إحدى مغازات المواد الغذائيّة فاشترى كيسا من سميد القمح الذّهبيّ. قمت باكرا و توجّهت نحو السقيفة فرأيت أمّي و قد وضعت عن يمينها الدّقيق و عن يسارها الغرابيل و ثنت رجلا و مدّت الأخرى و شمّرت عن ذراعيها و انكبّت على القصعة تكوّر حبّات السّميد بكلّ مهارة و تزيد الدّقيق و الماء تدريجيّا ثمّ تغربلها حتّى تصبح مثل نجوم تتلألأ في السّماء.
و كانت بجانبها خالتي أمام قصعة ثانية تساعدها في عملها. أمّا أنا فقد كنت أتنقّل بينهما كالفراشة بكلّ خفّة و رشاقة أقدّم لكلّ واحدة ما تطلبه منّي. و كلّما حضر نصيب من الكسكسي حملته أختي زينب و صبّته في الكسكاس و أجّجت النّار تحت القدر ليفور حتّى إذا تصاعد البخار أفرغته في إناء ثمّ حملته إلى فناء المنزل و حالما تصبّه على بسط مفروشة حتّى تحرّكه بكلتا يديها ثمّ تتركه يجفّ تحت أشعّة الشّمس الحارقة بعد أن تمسح العرق المتصبّب من جبينها و تواصل عملها بصبر و جلد و أناة.
كانت الحركة في المنزل قائمة على قدم و ساق و ما إن أتممن عملهنّ حتّى تعالت الزّغاريد و ملأت البيت بهجة و سرورا و من حين لآخر تتصاعد رائحة البخور العطرة من الكانون.
و بعد الظّهر، جلسن لتناول طعام الغداء و فجأة سمعن دويّ قرقعة رعد تصمّ الآذان فخرجت أمّي مسرعة فإذا السّماء ملبّدة بغيوم سوداء ثمّ هبّت ريح باردة منذرة بنزول مطر غزير و لمع برق يخطف الأبصار فأسرعت إلى البسط تغطّيها و تجمعها و ما كادت تتمّ ذلك حتّى بدأت قطرات الماء الأولى تنزل.